أسباب الرياء
السبب الأول: حب المنزلة والجاه:وهو من خالط قلبه حب الدنيا وغمر روحه.
السبب الثاني: لذة المحمدة:كالذي يقاتل ليقال: شجاع.
والذي ينفق ليقال: جواد كريم.
السبب الثالث: ذم الناس له:كالذي يصلي ويصوم كي لا يُتّهَمْ بالفسق والمعصية.
السبب الرابع: الطمع فيما عند الناس:وهو الذي يفعل ويفعل ليزوّجه الناس أو ليصلوه بالمال أو غيره.
علاج الرياء
العلاج الأول: كره المنزلة والجاه.
ويكون ذلك بأن يعلم أن الدنيا ومناصبها ومُلهِياتها حقيرة ذليلة،
وكما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (( الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله وما ولاه وعالماً ومتعلماً ))
[رواه الترمذي وحسّنه الألباني]
فاجعل قلبك خالياً من الرغبات الدنيوية –قدر المستطاع- من حب المناصب وحب رفعة المنزلة..
وروى الإمام أحمد: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان بالبادية معتزلاً الفتنة،
فجاءه ابنه عمر عندما تصالح أمير المؤمنين علي ومعاوية –رضي الله عنهما- في عام الجماعة،
فقال عمر لأبيه: "أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟"
فضرب سعدٌ صدر ابنه، وقال: "أسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي".
فالعاقل لا يعمل لدنيا فانية قد آن زوالها، ولكنه يسعى لحياة باقية قد آن أوانها..
العلاج الثاني: تساوِ المدح والذم عندك.
أي ألا تكترث لمدح الناس وذمهم لك، فهما عندك سواء.
فتُحسِنُ إلى من يُهينك كما تُحسِنُ إلى من يمدحك.
فأنت يا ابن آدم لست إلا من نطفة مذرة –أي منيّ نجس-..
وبعدها تصير جيفة قذرة..
وأنت الآن تحمل البول والعذِرة –أي غائط-..
فقف وتفكّر من أنت؟؟
وعلامَ تعاليك في الأرض؟؟
بمالٍ يفنى أم بنسب ينقطع أم بجاهٍ زائل ؟!
تفكّر في ذنوبك ومعاصيك!! أما تستحي أن تُحمد وأنت غارقٌ في لهوك؟!
ولا تكترث لمن ذمّك وسبّك،
لأن هذا الأمر يزيد من حسناتك إن صبرت،
وهو كفارة لمعاصيك وذنوبك.
ولو عيّرك أحدهم بشيء فيك وفضحك، فاحمد الله أنه لم يفضحك بشيءٍ أكبر وأشنع.
وإن ذمك بشيءٍ فيك، فقد أهدى إليك عيوبك، وفطّنك لغفلتك ونبهك لهذه الخصلة الحقيرة،
فكن فرِحاً بهذا الأمر ولا تكن جاهلاً، فعليك إنتهاز هذه الفرصة ولو أنها موجعة، فانتهزها بأن تنقي عيوبك التي عيّرك بها.
فقد رُويَ أن أحد أجلاء التابعين موسى بن جعفر –من آل البيت- شتمه أحد الناس وهو بالمدينة، فأرسل موسى إلى الرجل سلة رطب،
فعجب منه الناس، فقال: "أهدى إلي الرجل حسناته، أفلا أهديه شيئاً من الرُطَب".
فإن شتمك كل البشر وأهانوك ولكن الله تعالى راضٍ عنك، فلا تحزن ولا تبالي..
وإن مدحك الناس كلهم وأجلوا مكانك والله ساخط عليك، فلن ينفعك مدحُ مادحٍ ولا شفاعة شافع..
ليت الذي بيني وبينَكَ عامرٌ ***** وبيني وبين العالمين خراب
إن صحّ منك الوُدُّ فالكلُّ هيّنٌ ***** وكل الذي فوق الترابِ تراب
العلاج الثالث: القناعة وقطع الطمع.
وقد قيل: القناعة كنزٌ لا يَفنى.
فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( من أصبح منكم آمناً في سربه –أي آمناً في أهله-، معافىً في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيزَتْ له الدنيا ))
[رواه الترمذي وحسّنه الألباني]
وهذا هو عين الرضا بقضاء الله تعالى، فإن رضيت عن الله رضي الله عنك، وإن رضي الله عنك فهي الفرحة والمسرّة الأبدية.
وحتي تتم القناعة اعلم أن متاع الدنيا زائل، فلا تُتْعِب نفسك فيها، اجعل الدنيا في يدك لا في قلبك،
واعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر..
اعمل لدارٍ رضوان خازنها ***** والجار أحمدُ والرحمن عاليها
أرضٌ بها ذهبٌ والمِسكُ طينتها ***** والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها
أنهارها لبنٌ محضٌ ومِن عسلٍ ***** والخمرُ يجري رحيقاً في مغانيها
فلا خير في دنيا كلها هم وغم وذنوب وإعراض،
وحيهلا بالحياة الأبدية فيها النظرة الإلهية والجيرة النبوية والزيجة الحُورانية..
العلاج الرابع: استذكار عقاب المرائي.
فاعلم أن الرياء من أنواع الشِرك، فقد جاء أن الإمام الجليل الفُضَيْلُ بن عِياض رضي الله عنه قال: "من ترك عملاً مخافة إتهامه بالمراءاة فقد أشرك."
فكيفَ إذاً بمَن يعمل ليراءي الناس ؟!فكيف بمَن لم يراعي حرمة الخالق وحدوده واستهان بأوامره ؟!
(( وإن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعوا به رجل جمع القرآن،
فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلتُ على رسولي؟!
قال: بلى يارب.قال: فماذا عملت بما علمت؟!
قال: كنت أقومُ به آناء الليل وآناء النهار.
فيقول الله له: كذبت،
وتقول له الملائكة: كذبت.
ويقول الله له: بل أردت أن يقال فلان قارئ، فقد قيل ذلك..
ثم يُسحب به إلى النار-والعياذ بالله-.. ))
[رواه الترمذي وصحّحه الألباني]
يا ابن آدم إن جهنم قعرها بعيد..
وحرها شديد..
ولها مقامع من حديد..
تبطش بمن عن الصراط يحيد..
الدواء الخامس: إخفاء بعض العبادات.
ففي هذا الموضع يجب غلق الأبواب على النوافل كما تُغلق على الفواحش..
وذلك إلى حين يقنع القلب بعلم الله واطلاعه على عبادته،
ولا تنازعه نفسه إلى طلب علم الخلقِ به..
وقد أمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بالصلاة –أي صلاة النافلة- في البيت بقوله: (( صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً ))
[رواه مسلم]
فصلاة السرّ في البيت كصلاة النافلة والتهجّد بعيداً عن أعين الناس، تريح النفس وتجلو عناء الدنيا.. وصدقة السر لها فضل عظيم وقدر جليل، فهي تُظِلُّ صاحبها في ظل الجليل سبحانه وتعالى..
الدواء السادس (مهم): دفع خاطر الرياء في الحال.
ولا بُدَّ من دفع الرياء بثلاث أمور:
(أ) المعرفة (المرحلة الأولى):وهي معرفة مخاطر الرياء على القلب، وعلى مصير الإنسان في الدنيا والآخرة، وكيف أنه يجري بخفاء في القلوب.
وتقوى المعرفة هذه بحب الله تعالى والتعلّق بالآخرة وبغض الدنيا والتفكّر في خلق الله.
(ب) الكراهة (المرحلة الثانية):وهي كراهة وإنكار ما قد يكون مآل ومصير الإنسان إن راءى، وتكون هذه الكراهة قلبية، وهذه الكراهة هي ثمرة (للمعرفة).
(جـ) الإباء (المرحلة الثالثة):وهو فعل العزم والتصميم والعقد على دفع الرياء ودحضه.
وهذا الإباء إن وُجِدَ في صاحب همةٍ بُتِر أصل الرياء وفرعه.
والإباء ثمرة (الكراهة).
فاللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل..
اللهم إنّا نعوذ بك من أصول الرياء وفروعه..
اللهم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك..
اللهم وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين..
اللهم اشف صدور عبادك وإماءك من شر الرياء والمُراءين..
منقول من عدة مصادر