[center]جاء البراء بن معرور، وكعب بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ إلى رسول الله عليه السلام في مكة، وهو جالس مع عمه العباس ، فسأله رسول الله: (هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟)، قال:
(نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك)، فقال رسول الله: (الشاعر؟!)، قال: نعم.
يقول كعب بن مالك: فوالله ما أنسى قول رسول الله : (الشاعر)، فانظر ـ عزيزي القارئ ـ كيف تكون كلمات الاهتمام والتقدير بلسمًا تطيب به النفوس، وتنشرح به الصدور، وتطمئن له القلوب؟
فكيف يعطيك شخص مفتاح الدخول إلى عالمه، دون أن يشعر بحاجتك إلى المفتاح؟ وكيف يحكي لك شخص أهم قصة قرأها ـ قصة حياته ـ دون أن يشعر بأشواقك إلى السماع؟ وكيف يعرض عليك تصوراته، دون أن يلحظ في بريق عينيك رغبة وتلهفًا للاستماع؟ وهذا هو السر الثاني من أسرار الطريق نحو النجومية الاجتماعية.
الطوابع والاتصال الفعال.
وانظر أيضًا كيف كان الاهتمام بما يهم الآخرون جسرًا يقوي الاتصال بهم؟ وذلك من خلال هذه قصة التي يحكيها لنا أحد تلامذة ديل كارنيجي، ويدعى تشارلز وولترز، والذي كان مكلفًا بأن يعد تقريرًا سريًّا عن إحدى الشركات، ولم يكن يعرف إلا شخصًا واحدًا، لديه المعلومات التي كان يحتاجها بشكل عاجل.
وبينما كان وولترز جالسًا عند ذلك الشخص ـ وهو رئيس الشركة ـ إذا بموظفة تقول للرئيس أنها لم تجد أي طوابع اليوم، وأوضح الرئيس لوولترز أنه يقوم بجمع الطوابع؛ لأجل ابنه البالغ من العمر اثني عشر عامًا.
صرح وولترز بمهمته، وبدأ في طرح الأسئلة، وعمد المدير إلى الغموض والتعميم وعدم الوضوح، ولم يكن يريد أن يتحدث، واتضح أنه ليس هناك شيء يمكن أن يقنعه بالحديث، وهكذا كانت المقابلة قصيرة وجافة.
يقول وولترز: بصراحة لم أعرف ماذا أفعل؟ ثم تذكرت ما قالته له سكرتيرته: (طوابع ... ابن في الثانية عشر)، وتذكرت أيضًا أن إدارة الشؤون الخارجية في البنك التي أعمل فيه تقوم بجمع الطوابع.
وفي ظهر اليوم التالي اتصلت بهذا الرجل، وقلت له إن لدي طوابع لابنه، هل استقبلني بحماسة؟ نعم بالطبع، فإنه ما كان ليصافحني بحماسة أكثر من هذه؛ حتى لو كان يخوض انتخابات الكونجرس، وظهرت الابتسامات على وجهه، وظل يقول وهو يتحسس الطوابع: إن ابني جورج سوف يحب هذا الطابع، انظر إلى هذا، إنه كنز.
وقضينا نصف ساعة نتحدث عن الطوابع، وننظر إلى صورة لابنه، وبعد ذلك قضى معي ما يزيد عن ساعة من وقته؛ يعطيني المعلومات التي كنت أريدها، حتى دون أن أطلب منه ذلك، وأخبرني بكل ما كان يعرفه، ثم استدعى مرؤوسيه وأخذ يسألهم، واتصل ببعض زملائه، وحملني بالحقائق والأرقام والتقارير، وبلغة الصحافة؛ لقد كان هذا سبقًا بالنسبة لي).
الخطوات الخمس.
إذًا فإن أردت أن تهتم بالآخرين، وتظهر ذلك لهم، فاعلم أن بينك وبين هذا الهدف السامي خمس خطوات، سنعرضها لك في شكل خمس واجبات عمليِّة، وهي:
أولًا ـ الدقائق الأولى والأخيرة أيضًا:
هل من الممكن أن تنسى أول تجربة لك في قيادة السيارة، أو أول مرة التقيت بها بصديق مقرب لك؟ بالطبع لا، فغالبًا ما يتذكر الإنسان تجربته الأولى مع كل شيء جديد، خاصة إن كانت تجربة إيجابية، ولذا فمن المهم جدًا أن تجعل الانطباع الأول مع أي شخص تلقاه انطباعًا إيجابيًا.
كيف السبيل؟
ولتحقيق ذلك عليك بما يلي:
1. المصافحة: صافح الشخص بحرارة، ركز انتباهك على طاقة اليد التي تصافحها، بحيث تشعر في نفسك بالحب والود ينتقل من قلبك إلى قلبه عبر تلك المصافحة.
2. الابتسامة: ابتسم في وجه الشخص، وأظهر السرور والفرح بمقابلته.
3. الثقة بالنفس: اظهر بمظهر الواثق من نفسه، قف برباطة جأش وثقة ويقظة.
4. التواصل البصري: احرص أثناء التحدث على التواصل بعينيك بشكل مباشر، انظر في عينيه مباشرة، فهذا يشير إلى اهتمامك بالشخص، ويجعله يعتقد أنه مهم بالنسبة لك.
وكما أن الانطباع الأول في أي لقاء مهم، فالانطباع الأخير كذلك، طبقًا للمبدأ الذي ينص على أن: (الانطباعات الأخيرة تدوم أيضًا)، فغالبًا ما يتذكر الإنسان آخر محاضرة أو درس حضره، وآخر مرة قضى فيها عطلة جميلة، وآخر نزهة تنزهها، وهكذا، ولذا فآخر انطباع يدوم أيضًا في ذهن الشخص، فعليك أن تحرص عليه، وتطبق نفس الخطوات التي ذكرناها في الانطباع الأول.
ث
انيًا ـ عنوان كل إنسان:
ولا نعني هنا بعنوان كل إنسان المكان الذي يقطن فيه، فليس هذا مرادنا، إنما نعني بذلك أعز ما يملك الإنسان في حياته، وهو شيء إن تمكنت من حفظه، فقد حزت مكانة عظيمة عند الآخرين، هل تعرف ما هو؟
إنه اسم كل إنسان، فهو علم عليه، وعنوان معبر عنه، وكثيرًا ما يذوب الجليد بينك وبين شخص آخر إن ذكرت له اسمه حين تقابله، لأن حفظ الأسماء كما يقول الشيخ عباس السيسي: (هو الخيط الذي يجمع بين حبات العقد، وبه يمكن ربطها إذا انفصلت أو تفرقت، فكل إنسان يحب أن ينادى باسمه).
وهكذا كان رسول الله r يفعل مع المسلمين؛ فقد كان ينادي أصحابه بأحب الأسماء إليهم، حتى الأطفال، حتى الصغار كان يكنيهم، أحيانًا يقول: يا أبا عمير، ماذا فعل النغير؟ وأبو عمير هذا طفل صغير، ويرجع البعض نجاح بعض القادة من الرؤساء وغيرهم؛ إلى أنهم كانوا يحفظون أسماء الناس أحيانًا.
كيف السبيل؟
وإليك جملة من النصائح، والتي ستعينك ـ بإذن الله ـ على تذكر أسماء الآخرين، ومنها ما يلي:
1. امتلك حرصًا ورغبة في حفظ الأسماء.
2. بعد ذكره لاسمه، كرِّر هذا الاسم أثناء اللقاء كثيرًا؛ بأن تنادي الشخص به حتى يتم تثبيته في الذاكرة.
3. اربط الاسم بالصورة والهيئة التي تعرفت بها على الشخص، هل له لحية؟ هل يلبس نظارة؟ لون بشرته، صوته، والمناسبة التي تم فيها اللقاء.
4. أن تتذكر حين تلقاه كل ما سبق، ثم المناسبة والمكان الذي لقيته فيه أول مرة، وهذا يساعدك على سرعة مناداته باسمه.
center]