يبدو للمتأمل في أحوال التعليم في مصر أنه ثمة مشكلات عديدة تواجه العملية التعليمية عبر مراحلها المختلفة ومنها المرحلة الجامعية. ولا ريب أن تلك الإشكاليات تمثل عائقاً يحول دون تقدم قاطرة التعليم في مصر.
ومن المشكلات التي برزت خلال الفترة الأخيرة وكان لها أبلغ الأثر علي العملية التعليمية بمراحلها المختلفة ظاهرة الدروس الخصوصية والتي تفاقمت حتي بلغت الجامعات الحكومية المصرية لتمحو معها كافة القيم التي حاول رواد التعليم المصري التأكيد عليها مثل دور المعلم والواجب الوظيفي والضمير الداخلي.. وغيرها.
في العقود الماضية كانت أعداد الطلاب في الجامعة أقل بكثير مما هو الوضع عليه الآن وهذا أمر طبيعي فكثافة أعداد الطلاب اليوم ناتجة عن عدة عوامل من أبرزها علي الإطلاق النمو السكاني المتسارع وخاصة في العشر سنوات الأخيرة. وتوفر مقومات الحياة بشكل أفضل بكثير مما مضي. كما أن المؤثرات المختلفة التي تؤثر علي الطلاب وتحدث لهم نوعا من التشويش لم تكن منتشرة ومتنوعة كما هو الحال اليوم. لذلك كانت الدروس الخصوصية في الجامعة منعدمة تقريباً وتقتصر علي الطلاب ضعاف المستوي. كما أن طرق تنفيذها تختلف. فكانت تعطي غالباً مجاناً أو برسوم مخفضة. لذلك لم تكن ظاهرة. ولكن حالياً تغير الوضع بحيث أصبح الطالب المتفوق والمتوسط والضعيف يجتمعون سوياً في مكان واحد من أجل الدرس الخصوصي. أو أن كلا منهم يقوم بذلك في منزله. ولا يمكن رد انتشار الدروس الخصوصية في الآونة الأخيرة لسبب أو عامل واحد بل إن العوامل المحيطة بالبيئة المدرسية بشكل عام تجتمع وتتداخل وتؤثر في انتشار هذه الظاهرة دونما فصل أحدهما عن الآخر.
وتعد ظاهرة الدروس الخصوصية إحدي الظواهر التي اقتحمت المجتمع رغم الرفض الاجتماعي الواضح لها والذي وصل إلي قمته بقيام مؤسسة الأزهر الشريف بإصدار فتوي شرعية بتحريم الدروس الخصوصية واعتبرت من يقوم بها مرتكب إثماً وذلك لأنه لم يقم بواجبه التعليمي والتدريسي كما ينبغي في حين يتفاني في ذلك مقابل الأجر المادي والذي يتلقاه في الدرس الخاص.
وعلي الجانب الآخر هناك آثار سلبية عديدة سواء منها ما يتعلق بالنظام التعليمي مثل تشويه السياسة التعليمية "تحويل الهدف التربوي من نمو الجوانب الشخصية للطالب وتطوير قدراته وتفكيره واكسابها لمهارات إلي هدف مادي للمدرسين واختزال العملية التعليمية في عمليات الحفظ وإهمال قدرات التفكير المتعددة من الفهم والاستيعاب والتحليل والتركيب إلي جانب غياب قدسية العلم وانتهاك حرماته". حيث أصبح الهدف مادي وضاعت أخلاق العلم والهدف وتغيير النوايا وقد أدي ذلك كله إلي تدني مستوي الأداء في مؤسسات التعليم العالي وهناك آثار سلبية علي الطالب الجامعي نفسه مثل تدني دافعية الطلاب نحو التعلم والشعور بالاغتراب وعدم الانتماء إلي الجامعة وتعود الطلاب علي الاتكالية وعدم الاعتماد علي النفس وتحجيم قدراتهم العقلية وتكبت مهاراتهم الإبداعية