نجم تركيا الساطع؟
د. أسامة الغزالي حرب
هذا العنوان (بدون علامة الاستفهام) أستعيره من مقدمة مقال كتبه 'أمجد عطا الله' في مجلة 'فورين بوليسي' الأمريكية، في عددها الصادر في مايو الماضي، عن علاقة تركيا بالعالم العربي. وأعتقد أنه -أي العنوان- يلخص الوضع المتميز الذي أخذت تركيا تحتله في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، خاصة في السنوات القليلة الماضية، والذي تمثلت آخر 'تجلياته' في واقعة تجهيز سفن 'أسطول الحرية' لغزة، ثم في رد الفعل التركي إزاء الهجوم الغادر الذي شنته...
:15من أين تأتي مياه النيل؟
د. ضياء الدين القوصي
أثار الحوار الساخن الذي جري أخيرا بين دول منابع النيل من ناحية، ومصر والسودان وهما دولتا المصب من ناحية أخري، العديد من التساؤلات عن أسباب هذا الموقف، وهل هو نابع من متطلبات وطنية حقيقية أم له دوافع سياسية غير مبررة؟ وهل تحتاج هذه البلاد للمياه بحق، أم أن الغرض هو الحصول علي تنازلات مادية أو معنوية؟ ثم هل تتخذ دول المنابع مواقفها بكامل إرادتها، أم أن هناك أيادي خفية تحرك هذه الإرادة لأغراض إقليمية أو عالمية؟ وأخيرا، يأتي التساؤل عن وزن كل دولة من دول المنابع السبع من حيث الإسهام فيما يصل إلي النيل الرئيسي من الماء؟
:
كرة القدم بين السياسة والاقتصاد
عمر سعد الدين محمود
في عام 1918، ويوم الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح في أثناء الحرب العالمية الأولي، وقعت حادثة غريبة. فبينما كان كل من الجنود الألمان والبريطانيين يعانون البرد الشديد، والإحساس بالغربة، والحنين لعائلاتهم، انطلقوا ينشدون ترانيم عيد الميلاد، وقد أدي ذلك إلي إحساسهم بالتعاطف المتبادل. خرج الجنود من خنادقهم ببطء، وتبادل الطرفان الهدايا، ثم أخرج أحدهم كرة قدم، وبدأت مباراة كرة قدم تاريخية في المنطقة العازلة بين الطرفين. استخدمت القبعات في تحديد قوائم المرمي، ولم تكن حدود الملعب واضحة تماما، كما أن أكثر من 22 لاعبا قد شاركوا في هذه المباراة. من خلال ملف العدد .....
اضغط على الخريطة للتكبير
أثار الحوار الساخن الذي جري أخيرا بين دول منابع النيل من ناحية، ومصر والسودان وهما دولتا المصب من ناحية أخري، العديد من التساؤلات عن أسباب هذا الموقف، وهل هو نابع من متطلبات وطنية حقيقية أم له دوافع سياسية غير مبررة؟ وهل تحتاج هذه البلاد للمياه بحق، أم أن الغرض هو الحصول علي تنازلات مادية أو معنوية؟ ثم هل تتخذ دول المنابع مواقفها بكامل إرادتها، أم أن هناك أيادي خفية تحرك هذه الإرادة لأغراض إقليمية أو عالمية؟ وأخيرا، يأتي التساؤل عن وزن كل دولة من دول المنابع السبع من حيث الإسهام فيما يصل إلي النيل الرئيسي من الماء؟ وهل يساوي التهديد بإقامة بعض السدود من جانب بعض الدول الاهتمام بما يمكن أن يخلفه من آثار، أم أنه لا يساوي أكثر من ثمن المداد الذي كتب به؟
وبداية، يجب أن نقول إن حوض النيل يتكون من ثلاثة أحواض فرعية، هي حوض هضبة البحيرات الاستوائية، وحوض الهضبة الإثيوبية وحوض بحر الغزال، وهذه الأحواض الثلاثة متباينة مناخيا ولا يرتبط أي منها بالآخر. ويتساوي متوسط الهطول المطري علي كل من هذه الأحواض علي وجه التقريب، وقد يزيد مجموع هذا الهطول المطري في الأحواض الثلاثة علي 1600 مليار متر مكعب سنويا، وإن كان الجريان السطحي من كل حوض يختلف اختلافا كبيرا. يأتي نحو 15% من هذا الجريان من حوض هضبة البحيرات الاستوائية المنبسطة في معظم أرجائها، والتي تحتوي علي العديد من المسطحات المائية والنباتية. أما حوض هضبة المرتفعات الإثيوبية، التي تتراوح فيها المناسيب بين أقل من 100 متر تحت سطح البحر وما يزيد علي 4000 متر فوق منسوب سطح البحر، فإن الجريان السطحي منها يصل إلي 85% من المجموع الكلي، ولا يساهم حوض بحر الغزال الذي تنطلق فيه المياه إلي مسطحات مائية ومستنقعات وبرك طبيعية وغطاء خضري هائل، دون أن يصل منها أي كمية معنوية إلي نهر النيل الرئيسي.
يغطي حوض نهر النيل الركن الشمالي الشرقي من القارة الإفريقية، وهو من أكثر أنهار العالم طولا- إن لم يكن أطولها علي الإطلاق - حيث يسري لما يقارب 6700 كيلومتر. وتبدأ أقصي منابع النيل في الجنوب بالقرب من بحيرة تنجانيقا عند خط عرض 54 جنوبا، ويمتد إلي مصبه في البحر المتوسط عند خط عرض 31 شمالا، قاطعا 36 من خطوط العرض. وتقدر مساحة الحوض بنحو 3.1 مليون كيلومتر مربع، تضم أجزاء من عشر دول هي أوغندا، وكينيا، وتنزانيا، ورواندا، وبوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وإريتريا، والسودان، ومصر. وخلال هذا الامتداد الهائل لحوض النيل، تتباين الظروف المناخية والحياة البرية الحيوانية والنباتية، وتختلف الأجناس والحضارات، واللغات، والديانات، والثقافات، وأيضا الأيديولوجيات. من هنا، كانت الحاجة الملحة لأن توكل مهمة التحدث باسم مصر في أي محفل من محافل حوض النيل إلي فريق متعدد التخصصات، يجيد الإلمام بمختلف الجوانب التي تتشابك لتكون الشكل النهائي لهذه المنظومة المعقدة. أما أن يترك الأمر لفرد أو جماعة ليست لديها النظرة الشمولية للموضوع، فسينتهي به أو بهم الحال إلي ما لا يحمد عقباه. ومن المفيد هنا أن نذكر أن ما نحن بصدد شرحه وتوضيحه فيما بعد يعد الخطوة الأولي نحو معرفة العناصر الفاعلة الحقيقية فيما يصل إلي مصر من مياه النيل، ذلك لأننا لن نورد فقط مصدر ما يصل من إيراد طبيعي من المياه، ولكننا سنذكر أيضا احتمالات التحكم في بعض أو كل هذه الموارد، وإمكانيات حجز البعض منها في منطقة أعالي النيل، وإيقاف تمريرها إلي دولتي الممر والمصب.
منابع النيل من الهضبة الاستوائية :
تضم منابع النيل من الهضبة الاستوائية الأحواض الآتية:
1- حوض بحيرة فيكتوريا وحوض بحيرة كيوجا اللتين تتجمع مياههما في نيل فيكتوريا.
أ - حوض بحيرة فيكتوريا:
تتغذي بحيرة فيكتوريا من مجموعة من الروافد التي تنساب إليها من الشمال الشرقي والجنوب والغرب، أهمها نهر كاجيرا الذي يبدأ أحد روافده في أقصي الجنوب في نقطة تبعد نحو 6740 كيلومترا عن مصب النيل بالبحر المتوسط عند مدينة رشيد. وتبلغ مساحة حوض بحيرة فيكتوريا، شاملة مساحة البحيرة نحو 262 ألف كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة البحيرة نفسها نحو 67 ألف كيلومتر مربع، ويزيد منسوب الماء في البحيرة بقليل علي 1100 متر فوق سطح البحر. والبحيرة تميل إلي الاستدارة في الشكل، ويصل أقصي طول لها إلي نحو 315 كيلومترا، وأقصي عرض لها 275 كيلومترا، ويبلغ العمق المتوسط للماء فيها 40 مترا، وأقصي عمق نحو 70 مترا. ويبلغ متوسط الهطول المطري علي حوض بحيرة فيكتوريا نحو 1150 ملليمترا سنويا.
ب- حوض بحيرة كيوجا:
وتقل مساحة هذا الحوض بكثير عن حوض بحيرة فيكتوريا، حيث لا تزيد علي 6300 كيلومتر مربع، شاملا البحيرة التي لا تزيد مساحتها علي 2750 كيلومترا مربعا. وتحيط بها من جميع جوانبها مساحات هائلة من المستنقعات التي تشغلها نباتات البردي، والتي تضعف حركة الملاحة فيها إلا خلال مواسم الأمطار الغزيرة، حين تتجه كميات كبيرة من المياه إلي البحيرة، وتصبح الملاحة ميسرة إلي حد كبير.
ويبلغ معدل الهطول المطري علي بحيرة كيوجا 1500 ملليمتر في العام، ومعدل البخر من سطح البحيرة 1260 ملليمترا في العام. يبلغ مجموع ما يصل إلي البحيرة من المياه 118 مليار متر مكعب، ومتوسط البخر من سطح البحيرة 84.5 مليار متر مكعب، أي أن صافي الإيراد السنوي نحو 33.5 مليار متر مكعب.
ج - نيل فيكتوريا :
هذا النهر هو المخرج الوحيد لبحيرة فيكتوريا، وتسري فيه المياه فوق عدد من الشلالات، أولها شلالات ريبون، تليها شلالات أوين، ويبلغ متوسط سقوط المياه فوق هذين الشلالين نحو 20 مترا يلي ذلك شلالات بوجاجالي، ثم تصل المياه إلي بلدة نمساجالي التي تبعد نحو 80 كيلومترا من مخرج بحيرة فيكتوريا، حيث تصب مياه النهر في بحيرة كيوجا.
بعد خروج نيل فيكتوريا من بحيرة كيوجا عند نقطة ماسندي بورت، يظل حاملا الاسم نفسه، حيث يسري في مجري أو انحدار ضعيف لمسافة 80 كيلومترا حتي يصل إلي كامديني، وهناك تنحدر المياه فوق عدد من الشلالات تنتهي بالشلالات المعروفة باسم مارشيزون التي تبعد عن نقطة كامديني نحو 84 كيلومترا.
2- حوض بحيرة ألبرت :
تعتبر بحيرة ألبرت أحد المنابع المهمة لنهر النيل، لأنها تستمد مياهها من نيل فيكتوريا بشكل أساسي ومن بحيرة إدوارد التي تقع إلي الجنوب منها. وتتصل الأخيرة ببحيرة ألبرت عن طريق نهر السمليكي وبعض الروافد الصغيرة، الذي يستمد مياهه من الجانب الغربي لجبال رونزوري ومن بحيرة إدوارد. وتبلغ مساحة بحيرة ألبرت نحو 5300 كيلومتر مربع، وترتفع مناسيب المياه فيها بما يزيد بقليل علي 600 متر فوق سطح البحر. وقد قدر متوسط التصرف الذي يخرج من بحيرة ألبرت بنحو 23 مليار متر مكعب سنويا، وذلك خلال الأعوام من 1912 إلي 1957 التي تم رصد هذه التصرفات خلالها.
أ - نيل ألبرت :
يعرف الجزء من نهر النيل من مخرج بحيرة ألبرت حتي بلدة نيمولي علي الحدود الجنوبية للسودان- والذي يبلغ طوله نحو 225 كيلومترا- باسم نيل ألبرت، ويكون الانحدار فيه ضعيفا للغاية، ولا يزيد علي2.2 سم/كيلومتر.
ب - بحر الجبل :
بنهاية نيل ألبرت، تتغير طبيعة النهر، حيث يسير في واد ضيق تحف به التلال من الجانبين، وتعترض مساره الجنادل والصخور التي تحول دون الملاحة فيه لمسافة تصل إلي 170 كيلومترا. يمر النيل خلال هذه المسافة ببعض المساقط التي يعتبر أهمها شلالات فولا وبيدن، إلي أن يصل إلي موقع الرجاف الذي تتيسر الملاحة في النهر بعد تخطيه. ويصب في بحر الجبل خلال مساره مجموعة من الروافد ومخرات السيول، أهمها نهر أسوا علي الضفة الشرقية. يصل مجموع تصرفات هذه الروافد إلي 4.5 مليار متر مكعب عند منجلا التي تبعد 57 كيلومترا شمالي الرجاف. ويكون انحدار المياه في هذه المسافة نحو 30 سنتيمترا في الكيلومتر. ويقدر مجموع التصرف المتوسط من مياه الهضبة الاستوائية عند منجلا (متوسط السنوات 1943 - 1957) ومياه السيول بنحو 26 مليار متر مكعب سنويا.
يبدأ بحر الجبل بعد منجلا في اجتياز منطقة السدود، وهي معترضات من الحشائش والنباتات التي تحول دون الملاحة في بحر الجبل، وتمتد امتدادا شاسعا علي جانبي حوض بحر الجبل. ويفقد النهر في هذه المنطقة ما يقارب نصف إيراده الطبيعي في مساحة من المستنقعات تبلغ نحو 8000 كيلومتر مربع. ويقدر ما يخرج من بحر الجبل في نهايته بنحو 15 مليار متر مكعب سنويا.
ملاحظات علي منطقة هضبة البحيرات الاستوائية :
تتكون هضبة البحيرات الاستوائية من مجمعات أمطار متسعة تنتهي إلي بحيرات مختلفة الاتساع. تعتبر بحيرة فيكتوريا (67 ألف كيلومتر مربع) أكبر هذه البحيرات، تليها بحيرة ألبرت (5300 كيلومتر مربع)، ثم بحيرة كيوجو (3750 كيلومترا مربعا)، بالإضافة إلي بعض البحيرات الثانوية مثل بحيرة جورج (300 كيلومتر مربع)، وبحيرة إدوارد (2200 كيلومتر مربع)، أما مجمعات الأمطار، فتصل في حالة بحيرة فيكتوريا إلي 262 ألف كيلومتر مربع، و17 ألف كيلومتر مربع في بحيرة ألبرت، و6300 كيلومتر مربع في بحيرة كيوجا، و800 كيلومتر مربع في بحيرة جورج، و12 ألف كيلومتر مربع في بحيرة إدوارد. ويصل مجموع مجمعات الأمطار إلي ما يزيد علي 300 ألف كيلومتر مربع.
يبلغ معدل الهطول المطري علي حوض بحيرة فيكتوريا نحو 1150 ملليمترا سنويا، وعلي حوض بحيرة كيوجا 1300 ملليمتر سنويا، وعلي حوض بحيرة ألبرت 1260 ملليمترا سنويا، وعلي حوض بحيرة جورج 1365 ملليمترا سنويا، وعلي حوض بحيرة إدوارد المعدل نفسه (1360 ملليمترا سنويا).
يزيد منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا علي 1100 متر فوق سطح البحر، بينما يقل علي 1000 في بحيرة كيوجا عند نمساجالي، ويصل إلي 615 مترا في بحيرة ألبرت، ويعلو في بحيرتي جورج وإدوارد ليصل إلي 910 أمتار فوق سطح البحر.
تسري المياه في نيل فيكتوريا من بحيرتي فيكتوريا وكيوجا فوق شلالات ريبون (5 أمتار) وأوين (15 مترا) واللتين تقعان بالقرب من بلدة جنجا الأوغندية ومجموعة أخري من الشلالات، إلي أن تصل إلي بلدة نمساجالي علي مسافة 80 كيلومترا من المخرج، حيث تصب في بحيرة كيوجا.
يسير النيل في مجري طبيعي ذي انحدار بسيط لمسافة 80 كيلومترا عقب خروجه من بحيرة كيوجا عند بلدة ماسندي بورت، حتي يصل إلي كامديني، ثم تنحدر المياه فوق مجموعة من الشلالات تنتهي بشلالات المارشيزون التي تبعد 84 كيلومترا عن كامديني.
يبلغ الفرق بين منسوب المياه في بحيرة كيوجا عند ماسندي بورت ومدخل المياه إلي بحيرة ألبرت نحو 400 مترا، كذلك يصل الفرق في المنسوب بين مياه بحيرتي جورج وإدوارد إلي نحو 300 متر.
6- تكمن إمكانات الاستفادة بالمساقط المائية في توليد الطاقة الكهربائية في نيل فيكتوريا قبل وبعد بحيرة كيوجا إلي بحيرة ألبرت، وفي نهر السمليكي الذي يربط بين بحيرة إدوارد وبحيرة ألبرت.
ورغم عدم توافر بيانات عن مناسيب الأراضي علي تخوم البحيرات (فيكتوريا - كيوجا - ألبرت - جورج - إدوارد) ، فإن العديد من المؤشرات يبين الحاجة إلي رفع المياه من هذه البحيرات، إذا كان المطلوب الاستفادة بمياهها في الزراعة المروية في الأراضي المتاخمة لها. يضاف إلي ذلك أن هذه المساحات تمارس فيها الزراعة المطرية، ومن ثم سيكون المطلوب هو فقط عددا من الريات التكميلية التي تستخدم الري الضغطي (وليس الري بالراحة).
يوضح الجدول رقم (1) مجموعة من البيانات الخاصة بالدول التي تطل علي هضبة البحيرات الاستوائية، والتي يمكن من خلالها التعرف علي الحقائق الآتية:
تقع أوغندا بالكامل تقريبا داخل حوض النيل، ومن ثم فليست لها مصادر مائية أخري يمكن ذكرها، تليها رواندا التي تقع 75% من أراضيها داخل الحوض، ثم بوروندي 48%. أما كينيا وتنزانيا، فلديهما أحواض أخري غير النيل، ولا تتجاوز المساحة من هاتين الدولتين التي تقع داخل حوض النيل نسبة 10%. أما الكونغو، فإن 99% من أراضيها تقع خارج حوض النيل.
لا تزيد النسبة المئوية للدول الست مجتمعة في مساحة حوض النيل كاملا علي 13% بكثير.
تتراوح نسبة الهطول المطري في هذه الدول داخل حوض النيل بين 1000 و 1250 ملليمترا سنويا، وهي معدلات لا تفي باحتياجات البخر والنتح. ومن ثم، فإن متطلبات الزراعة المروية تملي أن يكون هناك ري تكميلي، سواء كان ذلك عن طريق مياه تسحب من حوض النيل أو تسحب من أحواض أخري.
إمكانات المياه الجوفية في معظم هذه الدول إيجابية، إلا أن صعوبة تدبير الطاقة تجعل من ضخ المياه من الخزانات الجوفية أمرا من الصعب تحقيقه.
الامكانات المالية لمعظم هذه الدول متواضعة، ومن الممكن أن يطلق علي دول مثل رواندا وبوروندي وتنزانيا أنها من أكثر دول العالم فقرا.
تحتاج بعض الدول، وأهمها رواندا وبوروندي، إلي تطوير تقنيات حصاد الأمطار في المناطق الرطبة وفي الأراضي الكبيرة الانحدار، كما تحتاج أيضا إلي مشروعات الصرف المغطي والمكشوف في بعض المناطق.
من الواضح أنه يوجد قصور شديد في البيانات والأرصاد المناخية، خصوصا بعد فترة انتهاء الاستعمار، حيث توجد معظم السجلات فقط خلال فترة الاستعمار. ويبدو أن الفترة التالية من أرصاد مشروع الهيدروميت قد انتهت باحتلال تنزانيا لأوغندا، وتدمير معظم مقاييس المطر، وربما أيضا بالتخلص من السجلات واللوائح التي كانت تجمع فيها هذه البيانات.
من الممكن أن يكون لدي بعض الدول خرائط ارتفاعات رقمية تم الحصول عليها من صور أقمار صناعية، لأن مثل هذه البيانات متاحة ويمكن الحصول عليها في الوقت الحاضر، إما بدون مقابل أو مقابل مبالغ مالية ضئيلة يمكن أن تتحملها ميزانيات معظم الدول المشتركة في منطقة هضبة البحيرات الاستوائية.
تعتبر منطقة هضبة البحيرات الاستوائية من المناطق شديدة الحساسية لأي تغيرات مناخية يمكن أن تحدث في المستقبل، حيث إن أي ارتفاع طفيف في درجة الحرارة من شأنه أن يزيد من البخر من الأسطح المائية الحرة، وأن يزيد أيضا من معدلات البخر الناتج عن المساحات الخضراء. لذا، فإن الارتفاع المتوقع لدرجات حرارة الكرة الأرضية سيعمل علي خفض المنتج النهائي من المياه التي تخرج من هذا الحوض والأحواض الفرعية له، ومن الضروري مراعاة ذلك في الحسابات المستقبلية للاتزان المائي للمنطقة.
إن الناتج النهائي من المياه الذي يخرج من حوض هضبة البحيرات الاستوائية، والذي لا يزيد علي 15 مليار متر مكعب سنويا، من الممكن أن يستفاد به بشكل عملي، إذا أمكن توليد الطاقة الكهربائية من مناطق الشلالات، ثم رفع المياه من البحيرات لاستخدامها في الزراعة المروية علي تخوم هذه البحيرات. ومن ثم، فإن الاتفاق مع هذه الدول علي وضع تصور عن توزيع المياه في المستقبل واستقطاب بعض الفواقد التي يمكن أن تزيد من معدل الجريان السطحي المتدني للغاية، حيث يصل الهطول المطري علي الحوض إلي 500 - 600 مليار متر مكعب لا يصل منها سوي 15 مليار، أي بواقع 3 - 4% - هو دليل واضح علي أن نسبة 96 - 97% تشكل الفاقد الفعلي في كامل مساحة الحوض.
2- منابع النيل من حوض بحر الغزال :
يقع الطرف الجنوبي لهذا الحوض علي الحدود السودانية - الكونغولية التي تنبع من مرتفعاتها الأحباس العليا من أنهار تاباري، وياي، والنعام، والجبل، والتونج، وروافد نهر السيوي وهو أحد الفرعين الرئيسيين لنهر الجور.
ويحد حوض بحر الغزال من الجهة الجنوبية الغربية الحدود السودانية مع جمهورية إفريقيا الوسطي، التي ينبع من مرتفعاتها نهر البوشيري وهوالفرع الثاني لنهر الجور، ثم نهر البونجو والروافد العليا لنهر لول والروافد الجنوبية لبحر العرب.
كما يحد حوض بحر الغزال من الناحية الشمالية الميول الجنوبية لجبال كورا، التي تنبع منها الروافد الشمالية لبحر العرب.
وتتجه كل هذه الأنهار نحو مستنقعات بحر الغزال التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من الحوض بين بحر الجبل وخط كونتور، 400 متر تقريبا، ماعدا أنهار تاباري وياي والنعام التي تتجه نحو المستنقعات المجاورة للبر الغربي لبحر الجبل بين بلدة بور وبحيرة نيونج.
وتقدر مساحة بحر الغزال بما يزيد علي 526 ألف كيلومتر مربع، بينما تزيد مساحة المرتفعات التي تعتبر مصدر مياه الأمطار المغذية للأحباس العليا للأنهار المتصلة بالحوض، فتصل إلي نصف هذه المساحة علي وجه التقريب. أما مساحة المستنقعات، فتقدر بنحو 40 ألف كيلومتر مربع.
ويقدر معدل الهطول المطري علي الحدود الجنوبية للحوض بنحو 1300 ملليمتر/العام، تقل تدريجيا بالاتجاه نحو الشمال، حتي تصل إلي 300 ملليمتر/العام، في أقصي الشما،ل بالقرب من مدينة الفاشر السودانية. أما المتوسط العام للحوض، فيقدر بنحو 900 ملليمتر/العام، بينما يصل معدل البخر إلي 2000 ملليمتر/العام.
ويعتبر بحر العرب أهم أنهار حوض بحر الغزال، وتبلغ مساحة حوضه نحو 210 آلاف كيلومتر مربع. ونهاية بحر العرب الجنوبية التي يجري فيها شرقا تجاه مستنقعات بحر الغزال، عبارة عن برك تكاد تكون غير متصلة، ولا توجد أرصاد موثقة لهذا البخر في أحباسه العليا.
كذلك، يعتبر من أهم أنهار حوض بحر الغزال نهر لول الذي يقدر تصرفه السنوي بنحو 4.3 مليار متر مكعب في السنة عند نقطة نيامل.
ورغم أن الهطول المطري علي حوض بحر الغزال يعادل علي وجه التقريب الهطول المطري علي هضبة البحيرات الاستوائية، وأيضا الهطول المطري علي حوض النيل في المرتفعات الإثيوبية، فإن مساهمة هذا الحوض في تغذية النيل الرئيسي تكاد تكون معدومة، نظرا للانتشار الواسع للمياه في مناطق المستنقعات، حيث تفقد بالكامل بالبخر والتسرب.
لهذا، فقد أجريت العديد من الدراسات لاستقطاب الفواقد المائية في هذا الحوض. وقد انتهت الدراسات إلي إمكان إنشاء قناتي تحويل، إحداهما في شمال الحوض لتجميع مياه الأنهار الشمالية وتوصيلها بأحد الروافد الطبيعية إلي النيل الأبيض، والقناة الثانية في جنوب الحوض لتجميع مياه الأنهار الجنوبية وتوصيلها إلي بحر الجبل. كذلك، تشير بعض الدراسات إلي إمكانية تخزين المياه في الأحباس العليا للأنهار الرئيسية، حيث يمكن التحكم في تصرفاتها واستخدامها للأغراض المختلفة.
ونظرا لوقوع حوض بحر الغزال بالكامل في منطقة جنوب السودان، لذا فإن مستقبل المشروعات المهمة في هذا الحوض يتوقف علي الاستفتاء الذي سيجري في هذه المنطقة عام 2011، والذي إما أن يسفر عن بقاء الجنوب متحدا مع الشمال في دولة واحدة، أو أن ينتهي إلي استقلال جنوب السودان. ويصبح مستقبل المنطقة في هذه الحالة مرتهنا بالظروف السياسية للدولة الوليدة، وقدرتها علي التعامل مع الظروف الإقليمية والدولية، وإمكانية تعرضها في الوقت نفسه لأطماع من الدول المجاورة أو الدول الخارجية التي قد تجد في الثروات الطبيعية للمنطقة (البترول - المياه - الأراضي ...الخ) ما يستحق المغامرة.
من هنا، فإن مستقبل شمال السودان ومصر يرتبط ارتباطا وثيقا بجنوب السودان. وبقاء هذا الأخير ككيان متحد مع شمال البلاد يعتبر من العوامل شديدة الأهمية لبقاء الاستقرار المائي والسياسي والأمني للسودان ومصر علي حد سواء.
3- منابع النيل من هضبة المرتفعات الإثيوبية :
تضم منابع النيل من هضبة المرتفعات الإثيوبية حوض نهر السوباط، وحوض النيل الأزرق، وحوض نهر عطبرة
أ - حوض نهر السوباط :
يتكون نهر السوباط من رافدين رئيسيين هما نهر البارو ونهر البيبور. ويمر النهر الأول (البارو) ببلدة جامبيلا علي بعد نحو 200 كيلومتر عن نقطة التقاء النهرين، حيث يصب في نهر السوباط. ويبلغ متوسط تصرف نهر البارو عند جامبيلا نحو 13.4 مليار متر مكعب سنويا (1928 - 1959) يصل منها إلي المصب في نهر السوباط نحو9.6 مليار متر مكعب سنويا (1929 - 1977). أما الجزء الأكبر، فيضيع في خور مشار وغيره من الجيران التي تنطلق المياه منها إلي مستنقعات مشار، التي يتم فقد كامل إيرادها بالبخر. أما نهر البيبو، فإن متوسط تصرفه عند مصبه في نهر السوباط يصل إلي 2.8 مليار متر مكعب/سنة.
يبلغ مجموع تصرف نهري البارو والبيبور نحو 12.4 مليار متر مكعب/سنة، يزيد إلي 12.9 مليار متر مكعب عند بلدة الناصر علي بعد 40 كيلومترا، ثم يزيد مرة أخري إلي 13.6 مليار متر مكعب عند جلة دوليب التي تقع علي بعد 23 كيلومترا جنوب ملاكال (1912 - 1977). وتقدر مساحة حوض نهر السوباط بنحو 187 ألف كيلومتر مربع منها 41 ألف كيلومتر مربع تشكل حوض نهر البارو، و109 آلاف كيلومتر مربع تشكل حوض نهر البيبور+37 ألف كيلومتر مربع، تشكل حوض نهر السوباط الرئيسي. ويتراوح معدل الهطول المطري بين 800 و 1000 ملليمتر في السهول إلي 2000 ملليمتر في المرتفعات. بينما يصل معدل البخر في مالاكال وجامبيلا إلي نحو 1400 ملليمتر في العام.
بعد التقاء نهري البيبور والبارو وتكوينهما مجري نهر السوباط، يخترق هذا النهر الحدود السودانية- الإثيوبية، حيث يلتقي بالنيل الأبيض علي بعد 350 كيلومترا من نقطة التقاء النهرين.
وتدل الدراسات علي إمكانية تنظيم تصرفات نهر البارو بإنشاء خزان في منطقة جبيلا علي الحدود السودانية - الإثيوبية بسعة 1.5 مليار متر مكعب. كما أن أحد مشروعات استقطاب الفواقد المعروفة منذ أمد طويل يتمثل في تحويل جزء من مياه مستنقعات مشار لتصب في خور أدار المتصل طبيعيا بالنيل الأبيض.
ب - حوض النيل الأزرق :
تغذي مياه أمطار حوض النيل الأزرق بحيرة تانا والروافد التي تصب فيها، كما تغذي هذه الأمطار الروافد العليا للنيل الأزرق مباشرة، في المسافة بين مخرج النهر من بحيرة تانا وحتي سد الروصيرص علي بعد نحو 900 كيلومتر من مخرج بحيرة تانا.
وتقدر مساحة بحيرة تانا بنحو 3000 كيلومتر مربع، ومنسوب سطح المياه بها بنحو 1800 متر فوق منسوب سطح البحر. وينخفض منسوب الماء ليصل إلي 510 أمتار عند بلدة فاماكا علي الحدود السودانية، ثم إلي 440 مترا عند الروصيرص، ثم إلي 373 مترا عند الخرطوم. ويقدر التصرف المتوسط لبحيرة تانا بنحو 3.8 مليار متر مكعب/سنة (1921 1925) (1928 - 1933) يزيد عند الروصيرص إلي 50.2 مليار متر مكعب/سنة، أي باكتساب كمية كبيرة من الروافد المغذية تصل إلي 46.4 مليار متر مكعب.
ويتغذي النهر أيضا خلال المسافة من الروصيرص إلي الخرطوم (660 كيلومترا) من رافدي الدندر والرهد اللذين يصبان في الجانب الأيمن للنهر، بتصرف مقداره 3 مليارات متر مكعب سنويا من الأول، ونحو مليار متر مكعب واحد من الثاني.
يصب النيل الأزرق في النيل الرئيسي عند مدينة الخرطوم، حيث يصل متوسط تصرفه السنوي إلي نحو 50 مليار متر مكعب سنويا. والنيل الأزرق نهر عنيف شديد الاندفاع في موسم الفيضان، مما يجعل مياهه قادرة علي حمل الصخور المفتتة من الهضبة الإثيوبية. ويعود الفضل في تكوين دلتا نهر النيل إلي ما حمله إليها النيل الأزرق ونهر عطبرة من الطمي عبر آلاف السنين.
ج - حوض نهر عطبرة:
ينبع نهر عطبرة من الهضبة الاثيوبية بالقرب من بحيرة تانا، وله رافدان رئيسيان هما بحر السلام ونهر ستيت ويتغذيان من الأمطار التي تسقط علي الميول الشمالية للجبال الإثيوبية. ويبلغ طول نهر ستيت نحو 1215 كيلومترا، وتبلغ مساحة حوض نهر عطبرة ورافديه نحو 100 ألف كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة باقي الحوض بعد مصب نهر ستيت علي بعد 514 كيلومترا من مصب العطبرة بالنيل الرئيسي نحو 43600 كيلومتر مربع. وتقع مدينة عطبرة التي يصب عندها النهر في النيل الرئيسي علي بعد 310 كيلومترات شمال مدينة الخرطوم. ويمثل المطر الذي يسقط علي حوض نهر ستيت المصدر الرئيسي لإيراد نهر عطبرة، ويقدر بنحو 800 ملليمتر في العام تقل إلي 300 ملليمتر في العام في حوض عطبرة الأسفل. وبذلك، يقدر تصرف نهر عطبرة عند المصب بنحو 12 مليار متر مكعب (1912 - 1973). ويتزايد تصرف نهر عطبرة من شهر يونيو، حتي يصل إلي الذروة خلال شهري أغسطس وسبتمبر، ثم يتناقص تدريجيا إلي شهر ديسمبر، ويبدأ الجفاف ابتداء من شهر يناير ويستمر حتي شهر مايو من كل عام. ويتشابه نهر عطبرة مع النيل الأزرق في أن كليهما نهر موسمي الإيراد.
ملاحظات علي الهضبة الإثيوبية :
تصل المياه من الهضبة الإثيوبية إلي نهر النيل الرئيسي عن طريق ثلاثة مصادر رئيسية:
- نهر السوباط الذي يحمل المياه عن طريق نهري البارو والبيبور إلي النيل الأبيض جنوب مدينة الخرطوم بتصرف سنوي يصل إلي13.6مليار متر مكعب سنويا، بعد أن يفقد كميات كبيرة من تصرف نهر البارو وفي مستنقعات مشار.
- نهر عطبرة الذي يحمل المياه من بحر السلام ونهر ستيت ثم يصبها في النيل الرئيسي شمال مدينة الخرطوم، وعلي بعد 310 كيلومترات منها وبواقع نحو 12 مليار متر مكعب سنويا.
- النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا، حيث يصل منسوب المياه بها إلي 1800 متر فوق سطح البحر، ثم يسري إلي بلدة فاماكا علي الحدود السودانية، حيث تنخفض مناسيب المياه إلي 510 أمتار، ثم إلي مدينة الروصيرص السودانية، حيث تقل مناسيب المياه مرة أخري إلي 440 مترا، ثم يصب عند مدينة الخرطوم، حيث تصل مناسيب المياه إلي 373 مترا. ويبدأ التصرف عند مخرج البحيرة قليلا (3.8 مليار متر مكعب سنويا) تزيد باطراد خلال سريان النهر عن طريق العديد من الروافد، حتي تصل إلي ما يقارب 50 مليار متر مكعب عند المصب.
ويبدأ فيضان نهر عطبرة والنيل الأزرق موسمي في شهر يونيو من كل عام، ويستمر حتي شهر سبتمبر، ثم يقل حتي شهر ديسمبر، ثم يحدث جفاف تام خلال الأشهر من يناير إلي مايو. والفارق الكبير في المناسيب علي النيل الأزرق (من 1800 متر فوق سطح البحر عند بحيرة تانا وحتي 373 مترا فوق سطح البحر عند الخرطوم) جاذب لانتباه كافة خبراء الري وتوليد الطاقة الكهربائية، ومن ثم فإنها الشغل الشاغل للعديد من المستثمرين المحليين والإقليميين وأيضا الدوليين. كما أنها تغري العديد من القوي المحلية والإقليمية والدولية التي تتدخل لتشكل علي هواها السياسات التي تعتمد علي الماء أو ما درج علي تسميته Hydropolitics .لذا، كان من غير المستغرب أن تقود إثيوبيا الحملة الأخيرة للتحرر من أي قيود علي استخدام الماء الذي يشكل الهطول المطري علي مرتفعاتها المصدر الرئيسي له، علي الرغم من أن الإيراد المائي للبلاد، الذي يتمثل في الجريان السطحي من النيل الأزرق ونهر العطبرة ونهر السوباط، يصل إلي 84 مليار متر مكعب سنويا. ولدي البلاد 12 حوضا نهريا أخري يبلغ الإيراد السنوي لها نحو 38 مليار متر مكعب سنويا.
إلا أن اهتمام إثيوبيا بحوض النيل يتمثل في الحصول علي القدر الأكبر من مياه هذا الحوض. وإذا لم يمكن الحصول علي المياه، فإن الحصول علي مقابل آخر مادي أو سياسي أو معنوي فيه تعويض عن المياه التي قد لا تكون البلاد في حاجة إليها، مثل حاجتها للمال أو المساعدات المادية أو العينية، خصوصا أن استخدام كامل الهطول المطري غير ممكن، في ظل الظروف السائدة من العجز الشديد في السعة التخزينية والبنية الأساسية اللازمة لنقل وتوزيع المياه، وتلك اللازمة لتسهيل حركة المواطنين، مثل الطرق بأنواعها، والسكك الحديدية، وشبكات الكهرباء والهاتف، وغير ذلك من التسهيلات.
من المفيد هنا إيضاح بعض البيانات التي سبق وضعها في الجدول رقم (1) عن دول هضبة البحيرات الاستوائية لباقي دول الحوض وهي إثيوبيا، وإريتريا، والسودان، ومصر.
ويتضح من النظرة الأولي للجدول السابق أن مصر هي أكثر دول الحوض علي الإطلاق اعتمادا علي مياه النيل، ومن ثم فإن هناك مبررا قويا لأن تعتبر الحكومة المصرية والشعب المصري أن مجرد المساس بأي جزء من الحصة التي حصلت عليها البلاد خلال الأعوام الخمسين الماضية، ومحاولة خفض هذه الحصة بمتر مكعب واحد، خط أحمر لا يمكن القبول به. ويستلزم الأمر التشدد في التمسك بهذه الحصة، وفي الوقت نفسه أن يتحلي المفاوض المصري بالمرونة الفائقة تجاه مقايضة مياه النيل بتسهيلات إلي الشركاء في الحوض، وخصوصا من لهم ظروف اقتصادية ضاغطة أو من يرغبون في الحصول علي مساعدات فنية، أو دعم سياسي، أو غير ذلك من التسهيلات.
4- النيل الأبيض :
يغلب علي مجري النيل الأبيض بين بحيرة نو ومصب السوباط بطول 123 كيلومترا قلة الانحدارات، وكثرة المستنقعات. ويقدر متوسط البخر السنوي من الحوض بنحو 1250 ملليمترا/سنة. ويصل إلي النيل الأبيض من بحر الجبل وبحر الزراف نحو 14.7 مليار متر مكعب سنويا، يصل منها إلي منطقة ملاكال قبل مصب نهر السوباط نحو 14.4 مليار متر مكعب سنويا.
يتجمع في النيل الأبيض عند ملاكال المياه الخارجة من بحر الجبل وبحر الزراف (نحو 15 مليار متر مكعب سنويا) وبحر الغزال (500 مليون متر مكعب سنويا) ونهر السوباط (13.5 مليار متر مكعب سنويا) بمجموع نحو 29 مليار متر مكعب. ويبلغ طول النيل الأبيض بين مصب السوباط عند ملاكال والتقائه بالنيل الأزرق عند مدينة الخرطوم نحو 840 كيلومترا، لا يتخللها أي روافد ذات أهمية. ويكون متوسط عرض النهر خلال مسافة ال- 358 كيلومترا الأولي نحو 425 مترا. أما المسافة الباقية وطولها نحو 490 كيلومترا، فيتسع المجري ليصل إلي 850 مترا في المتوسط. ويحيط بالمجري في الحبس الجنوبي من الجانبين الأيمن والأيسر سلسلة من التلال المتقطعة، يتحول الوادي حولها إلي منطقة مستنقعات خلال فترات الفيضان تكسوها الأعشاب الكثيفة، حتي يصل عرض المسطح المائي في بعض الأحباس إلي ستة كيلومترات.
يجدر بالذكر أيضا أن معظم المراجع تشير إلي حساسية الإيراد الطبيعي لنهر النيل عند أسوان الشديدة للهطول المطري علي الهضبة الإثيوبية، ذلك لأن أي زيادة طفيفة في هذا الهطول تزيد من الإيراد الطبيعي للنهر عند أسوان. والعكس صحيح، لأن أي نقص طفيف في الهطول المطري علي الهضبة الإثيوبية يعمل علي خفض كبير في الإيراد الطبيعي عند أسوان. ولعل السبب في ذلك يعود في المقام الأول إلي الانحدارات الكبيرة التي تمر عليها المياه. من هنا، فإن تغير أحزمة المطر، وانخفاض الهطول المطري علي الهضبة الإثيوبية الذي يمكن أن تسببه التغيرات المناخية المتوقعة من الممكن أن يؤثرا سلبا إلي حد كبير في الإيراد الطبيعي للنيل عند أسوان، والذي تتجاوز مساهمة هضبة المرتفعات الإثيوبية فيه 85% في المتوسط.
والخلاصة هنا أن الظروف الطبيعية في حوض النيل لها العديد من الإملاءات، كذلك فإن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية شديدة التباين والاختلاف. ومن ثم، فإن الفريق الذي يناط به تناول هذا الملف يجب أن يتحلي أولا بأخلاق الفريق، وألا يكون هناك أي مجال للفردية، وأن تتعدد التخصصات اللازمة للإلمام بكامل جوانب الموضوع، وأن يكون في الاعتبار دائما أن ما كان صالحا للتداول بالأمس لا يشترط أن يستمر التداول فيه اليوم وغدا. ومن المعروف أن الصداقات غير دائمة، والعداوات أيضا غير دائمة، أما ما يدوم، فهو مصالح البلاد، ومصالح العباد، سواء كانوا من الجنوب، أو من الشمال، أو من الشرق، أو من الغرب، أو من دول المنابع، أو من دول المصبات.
15:
الإثنين يوليو 26, 2010 1:10 am
